***الحسنة من الله والسيئة من العبد
صفحة 1 من اصل 1
***الحسنة من الله والسيئة من العبد
***الحسنة من الله والسيئة من العبد
الحسنه من الله:
ومهما يكن من شيء فالحسنة تنسب إلى الله تعالى سواء فسرناها بالعمل الصالح أو بالنعمة والرخاء،
والسيئه من العبد:
والسيئة تنسب إلى العبد لأنها كانت بسببه ولما صح أنه السبب في وقوعهاوإحداثها صح نسبتها إليه كما في الآية الكريمة (ما أصابك من حسنة فمن اللهوما أصابك من سيئة فمن نفسك) سواء كانت السيئة معصية أم كانت من قبيلالمحن والمصائب فإن العبد هو السبب فيها وإذا كان الله قد قضاها وكتبهافليس في ذلك جبر ولا إلزام للعبد بها، وإنما هو تسجيل لما سيقع منه بناءعلى العلم السابق بما سيفعله العبد من أسباب تؤدي إليها.
والآية السابقة تقفنا على سؤال لابد منه وهو: إذاكانت الطاعة والمعصية أو النعم والمصائب مقدرة، فلماذا فرق الله بينهمافأسند الحسنة إليه سبحانه، وأسند السيئة إلى نفس العبد مع أن الجميع بقضاءالله؟
هل لأن الإنسان هو السبب في نزولالمصائب به أو لأنه ارتكب المعصية باختياره فأسندت إليه؟ ولكن هل أثرالإنسان يعدّ سبباً تاماً في ذلك حتى تتوقف عليه النتيجة من جميع وجوهها؟
منالمعلوم أن إحسان الله إلى عباده يقع منه سبحانه بلا سبب تقدم من العبد،بل يحسن الله إليهم ابتداء بالخلق والرزق والصحة وتهيئة أسباب الهدايةللعباد وينصبها لهم بلا سبب تقدم منهم، فالله سبحانه يبدأ علاقته بالعبدبالإحسان والفضل إليه وينتظر من العبد ما يقوم به إزاء هذه النعم، فلئنشكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد، وللسيئة إذا وقعت من العبدفإنها لا تكون إلا لفراغ قلبه من معنى الحسنة، وإذا حصل ذلك من العبد فإنعلاقته بربه لا تكون في مرتبة الشكر على النعمة، بل تكون في مرتبة كفرانالنعمة ولكل مرتبة جزاؤها المناسب لها. وهناك فروق حاسمة في نسبة الحسنةإلى الله والسيئة إلى العبد.
أولاً: إنالحسنة إذا وقعت من العبد فالسبب الرئيسي فيها إن الله هداه إليها أولاً،ومنحه أسباب التعرف عليها من العقل والشرع. فالله هو الذي خلق فسوى وقدرفهدى وألهم النفوس تقواها، كما قال أهل الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذاوما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فجميع ما يتقلب فيه العبد هو من فضلالله وإحسانه إليه بدون سبب سابق يوجب للعبد حقاً على الله.
بخلافالسيئة، فإنها لا تكون إلا لذنب سبق من العبد وأول هذه الذنوب فراغ القلبمن الاشتغال بالطاعة، وهذه من الأمور الدقيقة التي يجب التنبه إليها، وهيلا تكون إلا من العبد وهي ذنب عدمي نتج عنه ذنب وجودي هو اشتغال القلببالمعصية بعد فراغه من الاشتغال بالطاعة. وإذا تدبر الإنسان ذلك علم أن مابه من نعمة فمن الله وما به من سيئة فمن نفسه فيشكر الله على النعمةويستغفره على المعصية فيزيده الله هدى ويبدّل سيئاته حسنات. ويكون العبدفي حياته متقلباً بين شكر الله على نعمائه واستغفاره من معاصيه. وهذه هيحياة المؤمن أن يحيا لله ويحب لله ويبغض لله.
والآية الكريمة إذا كانتجمعت بين الحسنة والسيئة في قوله (كل من عند الله) فإن ذلك ليعلم المؤمنأن الكل لا يخرج عن قضاء الله الكوني. ولكنه فرق بينهما حيث نسب السيئةإلى النفس لينبه إلى هذا الفرق الدقيق وهو أن السيئة لا تكون إلا من نفسالانسان ولسبب فراغها من معنى الهداية.
ثانياً: إن الحسنة يضاعفها الله للعبد إلى سبعمائة ضعف. ويثيب على الهم بها والعزم عليها.
بخلاف السيئة فلا يضاعفها ولا يعاقب على الهم بها ويمحوها بالتوبةوبالمصائب المكفرة وكما قال (ان الحسنات يذهبن السيئات) فكانت الحسنة أولىبأن تضاف إليه سبحانه والسيئة أولى أن تضاف إلى النفس.
ثالثاً: إن الحسنة لا يوجد وجه من وجوه تحققها في الخارج إلا ويصح إضافته إلى الله تعالى، فهو محسن بها من كل وجه .
بخلافالسيئة فإنها تقع من العبد والله كاره لها غير راض عنها، كما أن النعمةإذا وقعت فهي من إحسان الله إلى العبد. أما المعصية فلا تكون إلا لسب تقدممن العبد ويخلقها الله لحكمة. وهي باعتبار تلك الحكمة خير، وباعتبار سببهاالسابق من العبد عدل. وهذان الوجهان هما جهة تعلق القضاء بالسيئة أوالمعصية والسيئة باعتبار هاتين الجهتين خير لا شرّ فيها. لأنها تقدمهاسببها الموجب لها من العبد فصارت لأجله عدلاً والعدل خير لا شرّ فيه. كماأن القضاء لا يتعلق بشيء إلا لحكمة وتحقيق الحكمة خير لا شرّ فيه. وإذاكان فيها شر يصيب العبد فهو شر جزئي إضافي لا ينسب إلى الله وإنما ينسبإلى العلة الفاعلة، وهي نفس العبد. فهي التي أغوت بفعل المعصية وهي التيتتألم بعقابها، ومن هنا كان (ص) يقول في دعائه: (الخير بيديك والشر ليسإليك) والسيئة تضاف إلى النفس لأنها قد فعلتها لا لحكمة ولا لغرض ينفع ولميقصد العبد من فعل السيئة خيراً.
رابعاً:إن الحسنة التي يفعلها العبد أمر وجودي يصح إضافته إلى الله، وإتيان العبدلها يدل على معنى وجودي، قائم بالنفس وهو إيمانه بها وحبه لها واشتغالنفسه بطلبها لأن الحسنة فعل مأمور به، أو ترك محظور منهي عنه، وتركالانسان للسيئات إنما حصل لمعرفته بأنها سيئة وإنها سبب البلاء في الدنياوالعذاب في الآخرة فيقوم في نفسه معنى وجودي هو بغضه لها وكراهتها فتشتغلنفسه عنها. كما أن معرفته بالحسنات كالعدل والصدق وغير ذلك يكون أيضاًلأمور وجودية قائمة بالنفس هي حسب ذلك وطلبه الاشتغال به ولهذا فإنالانسان يثاب على ترك السيئات إذا تركها كارهاً لها كافاً نفسه عنهم. هذاهو المعنى الوجودي الذي يثيب الله العبد عليه إذا قام بنفسه،
أما مجردترك السيئات من غير معرفة بها ولا كراهة لها كأن لم يخطر على قلبه أنهاسيئة محظورة فلا يثاب على هذا الترك وإن كان يحمد على ذلك في الدنيا.وتكون السيئة في حقه كالطفل الذي لم يقم في نفسه معنى وجودي يحمله علىالكف عن القبائح، وكذلك فعل الحسنات. فإن المرء لا يثاب على فعلها إلا إذاكان ذلك لمعنى وجودي قائم بالنفس يحمله على فعلها حباً فيها وطالباً لهاوامتثالاً للأمر بها، أما لو فعلها بدون هذه القصود وتلك المعاني فإنه لايثاب عليها. وهذا يؤكد لنا دور النية وأهميتهافي إحداث الفعل كما قال (ص): (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)وهذا بالتالي يضع لنا الحد والفاصلة بين فعل العبد رياء وسمعة وبين فعلهلله، فالله لا يثيب ولا يعاقب إلا عن هذا المعنى الوجودي القائم بالنفسأما مجرد الفعل أو الترك بغير قيام هذه المعاني في النفس التي تدعو إلىالفعل أو الترك فهذا لا يثاب عليه ولا يعاقب.
والانسان لا يفعلالسيئة إلا لجهله بعواقبها وطغيان عامل الشهوة والهوى على عامل الإيمانوالهدى ولو قام في النفس العلم النافع بضرر السيئة ونفع الحسنة لقضت النفسبفعل الحسنة وترك السيئة فيكون كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عبادهالعلماء) فاطر/ 28، لأن العلم بعواقب الأمور هو الذي يحمل النفس على محبةالحسن وفعله وكراهة القبيح وتركه. لكن النفوس لما كانت حية متحركة ومتحولةفإن سعادتها تكون بتحركها نحو ما ينفع، فإذا اهتدت بهدي الله وعرفت الحقوتحركت نحوه فذلك هو المعنى الوجودي الذي تثاب عليه. ولكنها إذا لم تهدولم تعرف الحق فذلك أمر عدمي، هو فراغ النفس من معنى الهداية. وهذا الأمرالعدمي لا ينسب إلى الله حتى يقال ان الله فاعل السيئة بالعبد أو جبرهعليها. وإنما ينسب إلى النفس لإهمالها، وعدم اشتغالها بأسباب الهداية التيمنحها الله لها. وهذا تولد عنه فعل السيئات كما سبق. ومن هنا صح نسبةالسيئة إلى النفس من كل وجه.
خامساً: إنما يجري به القضاء على العبد من الذنوب الوجودية كارتكاب الموبقاتوالفواحش. فإن ذلك يكون عقوبة للعبد على ترك الحسنات التي خلق لأجلها وفطرعلى محبتها، فلما لم يفعلها ـ وهو مخلوق لأجلها ـ عاقبه الله بأن زيّن لهفعل السيئات فكان تسليط الشيطان عليه وتزيينه له فعل السيئات هو إلهامالله هذه النفوس فجورها. وكل هذا يرجع إلى عدم الاهتداء وهذا لا ينسب إلىالله حتى يقال إن الله فاعله بل هو مَن ظلم النفوس لأصحابها. وهذا الموقف يتضمن أمرين:
الأمر الأول: ظلم النفس صاحبها بعدم الاهتداء وفعل الحسنات. وهذا لا يصح نسبته إلى الله، لأن الله قدر فهدى.
الأمر الثاني:ظلم النفس (صاحبها بفعل السيئات) وهذا من فعل العبد باختياره، فلا ينسبإلى الله. ومَن تأمل آيات القرآن الكريم تبين له أن عامة ما يذكره الله فيخلق المعصية أو الكفر يجعله عقاباً للعبد على ذنب تقدم، كما قال سبحانهفلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وأما مَن يخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسرهللعسرى، وهذا ورد في القرآن كثيراً.
وإذا فهمت هذه القضية حق فهمها، فإنها تبطل كلام الأشاعرة الذين يقولون أن الله يخلق الكفر والمعصية ويعاقب عليها لا لسبب ولا لحكمة.
سادساً:إن السيئة خبيثة لا تحل إلا بالنفوس الخبيثة. والنفس الخبيثة لا يناسبهاولا يحل فيها إلا العمل الخبيث.. والنفس لما أعرضت عن هدى ربها واشتغلتبفعل ما يكره كان خلق الطاعة فيها ـ بعد ما ضلت ـ وضع للشيء في غير موضعهاللائق به، وهذا ظلم، كما أن خلق السيئة في النفوس التي اهتدت وأذعنت وضعللشيء في غير موضعه وهو ظلم أيضاً.
فيجب أن ينزه الله عن هذا وذاك، فمنأراد أن يجعل الجاهل معلماً للناس إماماً لهم، وأن يجعل الجبان العاجزقائداً للجيوش إماماً فيهم، فقد وضع الأمور في غير موضعها اللائق بها،ويكون بذلك قد ظلم القائد والرعية معاً. وبهذه الفروق يتضح لنا أن الحسنةمن الله والسيئة من النفس، وأنه لا حجة فيها للمعتزلة ولا للأشاعرة علىسواء.
مع أجمل وأرق ألأمنيات.
مراااام
الحسنه من الله:
ومهما يكن من شيء فالحسنة تنسب إلى الله تعالى سواء فسرناها بالعمل الصالح أو بالنعمة والرخاء،
والسيئه من العبد:
والسيئة تنسب إلى العبد لأنها كانت بسببه ولما صح أنه السبب في وقوعهاوإحداثها صح نسبتها إليه كما في الآية الكريمة (ما أصابك من حسنة فمن اللهوما أصابك من سيئة فمن نفسك) سواء كانت السيئة معصية أم كانت من قبيلالمحن والمصائب فإن العبد هو السبب فيها وإذا كان الله قد قضاها وكتبهافليس في ذلك جبر ولا إلزام للعبد بها، وإنما هو تسجيل لما سيقع منه بناءعلى العلم السابق بما سيفعله العبد من أسباب تؤدي إليها.
والآية السابقة تقفنا على سؤال لابد منه وهو: إذاكانت الطاعة والمعصية أو النعم والمصائب مقدرة، فلماذا فرق الله بينهمافأسند الحسنة إليه سبحانه، وأسند السيئة إلى نفس العبد مع أن الجميع بقضاءالله؟
هل لأن الإنسان هو السبب في نزولالمصائب به أو لأنه ارتكب المعصية باختياره فأسندت إليه؟ ولكن هل أثرالإنسان يعدّ سبباً تاماً في ذلك حتى تتوقف عليه النتيجة من جميع وجوهها؟
منالمعلوم أن إحسان الله إلى عباده يقع منه سبحانه بلا سبب تقدم من العبد،بل يحسن الله إليهم ابتداء بالخلق والرزق والصحة وتهيئة أسباب الهدايةللعباد وينصبها لهم بلا سبب تقدم منهم، فالله سبحانه يبدأ علاقته بالعبدبالإحسان والفضل إليه وينتظر من العبد ما يقوم به إزاء هذه النعم، فلئنشكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد، وللسيئة إذا وقعت من العبدفإنها لا تكون إلا لفراغ قلبه من معنى الحسنة، وإذا حصل ذلك من العبد فإنعلاقته بربه لا تكون في مرتبة الشكر على النعمة، بل تكون في مرتبة كفرانالنعمة ولكل مرتبة جزاؤها المناسب لها. وهناك فروق حاسمة في نسبة الحسنةإلى الله والسيئة إلى العبد.
أولاً: إنالحسنة إذا وقعت من العبد فالسبب الرئيسي فيها إن الله هداه إليها أولاً،ومنحه أسباب التعرف عليها من العقل والشرع. فالله هو الذي خلق فسوى وقدرفهدى وألهم النفوس تقواها، كما قال أهل الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذاوما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فجميع ما يتقلب فيه العبد هو من فضلالله وإحسانه إليه بدون سبب سابق يوجب للعبد حقاً على الله.
بخلافالسيئة، فإنها لا تكون إلا لذنب سبق من العبد وأول هذه الذنوب فراغ القلبمن الاشتغال بالطاعة، وهذه من الأمور الدقيقة التي يجب التنبه إليها، وهيلا تكون إلا من العبد وهي ذنب عدمي نتج عنه ذنب وجودي هو اشتغال القلببالمعصية بعد فراغه من الاشتغال بالطاعة. وإذا تدبر الإنسان ذلك علم أن مابه من نعمة فمن الله وما به من سيئة فمن نفسه فيشكر الله على النعمةويستغفره على المعصية فيزيده الله هدى ويبدّل سيئاته حسنات. ويكون العبدفي حياته متقلباً بين شكر الله على نعمائه واستغفاره من معاصيه. وهذه هيحياة المؤمن أن يحيا لله ويحب لله ويبغض لله.
والآية الكريمة إذا كانتجمعت بين الحسنة والسيئة في قوله (كل من عند الله) فإن ذلك ليعلم المؤمنأن الكل لا يخرج عن قضاء الله الكوني. ولكنه فرق بينهما حيث نسب السيئةإلى النفس لينبه إلى هذا الفرق الدقيق وهو أن السيئة لا تكون إلا من نفسالانسان ولسبب فراغها من معنى الهداية.
ثانياً: إن الحسنة يضاعفها الله للعبد إلى سبعمائة ضعف. ويثيب على الهم بها والعزم عليها.
بخلاف السيئة فلا يضاعفها ولا يعاقب على الهم بها ويمحوها بالتوبةوبالمصائب المكفرة وكما قال (ان الحسنات يذهبن السيئات) فكانت الحسنة أولىبأن تضاف إليه سبحانه والسيئة أولى أن تضاف إلى النفس.
ثالثاً: إن الحسنة لا يوجد وجه من وجوه تحققها في الخارج إلا ويصح إضافته إلى الله تعالى، فهو محسن بها من كل وجه .
بخلافالسيئة فإنها تقع من العبد والله كاره لها غير راض عنها، كما أن النعمةإذا وقعت فهي من إحسان الله إلى العبد. أما المعصية فلا تكون إلا لسب تقدممن العبد ويخلقها الله لحكمة. وهي باعتبار تلك الحكمة خير، وباعتبار سببهاالسابق من العبد عدل. وهذان الوجهان هما جهة تعلق القضاء بالسيئة أوالمعصية والسيئة باعتبار هاتين الجهتين خير لا شرّ فيها. لأنها تقدمهاسببها الموجب لها من العبد فصارت لأجله عدلاً والعدل خير لا شرّ فيه. كماأن القضاء لا يتعلق بشيء إلا لحكمة وتحقيق الحكمة خير لا شرّ فيه. وإذاكان فيها شر يصيب العبد فهو شر جزئي إضافي لا ينسب إلى الله وإنما ينسبإلى العلة الفاعلة، وهي نفس العبد. فهي التي أغوت بفعل المعصية وهي التيتتألم بعقابها، ومن هنا كان (ص) يقول في دعائه: (الخير بيديك والشر ليسإليك) والسيئة تضاف إلى النفس لأنها قد فعلتها لا لحكمة ولا لغرض ينفع ولميقصد العبد من فعل السيئة خيراً.
رابعاً:إن الحسنة التي يفعلها العبد أمر وجودي يصح إضافته إلى الله، وإتيان العبدلها يدل على معنى وجودي، قائم بالنفس وهو إيمانه بها وحبه لها واشتغالنفسه بطلبها لأن الحسنة فعل مأمور به، أو ترك محظور منهي عنه، وتركالانسان للسيئات إنما حصل لمعرفته بأنها سيئة وإنها سبب البلاء في الدنياوالعذاب في الآخرة فيقوم في نفسه معنى وجودي هو بغضه لها وكراهتها فتشتغلنفسه عنها. كما أن معرفته بالحسنات كالعدل والصدق وغير ذلك يكون أيضاًلأمور وجودية قائمة بالنفس هي حسب ذلك وطلبه الاشتغال به ولهذا فإنالانسان يثاب على ترك السيئات إذا تركها كارهاً لها كافاً نفسه عنهم. هذاهو المعنى الوجودي الذي يثيب الله العبد عليه إذا قام بنفسه،
أما مجردترك السيئات من غير معرفة بها ولا كراهة لها كأن لم يخطر على قلبه أنهاسيئة محظورة فلا يثاب على هذا الترك وإن كان يحمد على ذلك في الدنيا.وتكون السيئة في حقه كالطفل الذي لم يقم في نفسه معنى وجودي يحمله علىالكف عن القبائح، وكذلك فعل الحسنات. فإن المرء لا يثاب على فعلها إلا إذاكان ذلك لمعنى وجودي قائم بالنفس يحمله على فعلها حباً فيها وطالباً لهاوامتثالاً للأمر بها، أما لو فعلها بدون هذه القصود وتلك المعاني فإنه لايثاب عليها. وهذا يؤكد لنا دور النية وأهميتهافي إحداث الفعل كما قال (ص): (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)وهذا بالتالي يضع لنا الحد والفاصلة بين فعل العبد رياء وسمعة وبين فعلهلله، فالله لا يثيب ولا يعاقب إلا عن هذا المعنى الوجودي القائم بالنفسأما مجرد الفعل أو الترك بغير قيام هذه المعاني في النفس التي تدعو إلىالفعل أو الترك فهذا لا يثاب عليه ولا يعاقب.
والانسان لا يفعلالسيئة إلا لجهله بعواقبها وطغيان عامل الشهوة والهوى على عامل الإيمانوالهدى ولو قام في النفس العلم النافع بضرر السيئة ونفع الحسنة لقضت النفسبفعل الحسنة وترك السيئة فيكون كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عبادهالعلماء) فاطر/ 28، لأن العلم بعواقب الأمور هو الذي يحمل النفس على محبةالحسن وفعله وكراهة القبيح وتركه. لكن النفوس لما كانت حية متحركة ومتحولةفإن سعادتها تكون بتحركها نحو ما ينفع، فإذا اهتدت بهدي الله وعرفت الحقوتحركت نحوه فذلك هو المعنى الوجودي الذي تثاب عليه. ولكنها إذا لم تهدولم تعرف الحق فذلك أمر عدمي، هو فراغ النفس من معنى الهداية. وهذا الأمرالعدمي لا ينسب إلى الله حتى يقال ان الله فاعل السيئة بالعبد أو جبرهعليها. وإنما ينسب إلى النفس لإهمالها، وعدم اشتغالها بأسباب الهداية التيمنحها الله لها. وهذا تولد عنه فعل السيئات كما سبق. ومن هنا صح نسبةالسيئة إلى النفس من كل وجه.
خامساً: إنما يجري به القضاء على العبد من الذنوب الوجودية كارتكاب الموبقاتوالفواحش. فإن ذلك يكون عقوبة للعبد على ترك الحسنات التي خلق لأجلها وفطرعلى محبتها، فلما لم يفعلها ـ وهو مخلوق لأجلها ـ عاقبه الله بأن زيّن لهفعل السيئات فكان تسليط الشيطان عليه وتزيينه له فعل السيئات هو إلهامالله هذه النفوس فجورها. وكل هذا يرجع إلى عدم الاهتداء وهذا لا ينسب إلىالله حتى يقال إن الله فاعله بل هو مَن ظلم النفوس لأصحابها. وهذا الموقف يتضمن أمرين:
الأمر الأول: ظلم النفس صاحبها بعدم الاهتداء وفعل الحسنات. وهذا لا يصح نسبته إلى الله، لأن الله قدر فهدى.
الأمر الثاني:ظلم النفس (صاحبها بفعل السيئات) وهذا من فعل العبد باختياره، فلا ينسبإلى الله. ومَن تأمل آيات القرآن الكريم تبين له أن عامة ما يذكره الله فيخلق المعصية أو الكفر يجعله عقاباً للعبد على ذنب تقدم، كما قال سبحانهفلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وأما مَن يخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسرهللعسرى، وهذا ورد في القرآن كثيراً.
وإذا فهمت هذه القضية حق فهمها، فإنها تبطل كلام الأشاعرة الذين يقولون أن الله يخلق الكفر والمعصية ويعاقب عليها لا لسبب ولا لحكمة.
سادساً:إن السيئة خبيثة لا تحل إلا بالنفوس الخبيثة. والنفس الخبيثة لا يناسبهاولا يحل فيها إلا العمل الخبيث.. والنفس لما أعرضت عن هدى ربها واشتغلتبفعل ما يكره كان خلق الطاعة فيها ـ بعد ما ضلت ـ وضع للشيء في غير موضعهاللائق به، وهذا ظلم، كما أن خلق السيئة في النفوس التي اهتدت وأذعنت وضعللشيء في غير موضعه وهو ظلم أيضاً.
فيجب أن ينزه الله عن هذا وذاك، فمنأراد أن يجعل الجاهل معلماً للناس إماماً لهم، وأن يجعل الجبان العاجزقائداً للجيوش إماماً فيهم، فقد وضع الأمور في غير موضعها اللائق بها،ويكون بذلك قد ظلم القائد والرعية معاً. وبهذه الفروق يتضح لنا أن الحسنةمن الله والسيئة من النفس، وأنه لا حجة فيها للمعتزلة ولا للأشاعرة علىسواء.
مع أجمل وأرق ألأمنيات.
مراااام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى