منتدى الصداقه والتعارف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

***العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة

اذهب الى الأسفل

***العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة Empty ***العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة

مُساهمة من طرف مراااام الجمعة نوفمبر 19, 2010 6:04 am

***العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة
حين نتحدث عن العقل:
فإني لا أعني به العلم، لأن العلم ما هو إلا إفراز لحركة العقل ... كما لاأعني به مجرد البديهيات والمواد العقلية الخام التي يستفاد منها في عمليةالتعقل والتفكير ـ أي أوليات العقل كعدم اجتماع النقائض وبعض المعادلاتالرياضية وأشباهها، وإنما أقصد بالعقل ذلك الجهاز الذي يتبنى عمليةالتفكير وصناعة المفاهيم وتحليل المعاني.تماماً كما ألمح إليه الإمام علي(ع) في قوله: ((العقل أصل العلم وداعية الفهم)).
كما أني لا أبني فيحديثي عن الروح على أنها المعنى الرديف للعاطفة كما يظهر في بعض الأعراف،والتي يمكن أن يقال في تعريفها ـ كما يظهر من بعض الكلمات ـ أنها تلكالحالة التي إذا طغت على النفس البشرية سلبت الإرادة كل قواها، ويمكن أنيستعان في ذلك بما ورد في الأمثلة العربية ((الحب أعمى)) ...
فهذهإنما هي حالة تطرأ على الروح وليس الروح ذاتها ... ولا أنها بمعنى الأخلاقوالفضائل الروحية كالحب والشجاعة وما أشبه، لأن هذه الأمور قد تكونمواصفات للروح أو صنائع لها، ولهذا فهي تتغير عند الشخص نفسه حيث تنتقلالروح من الحب إلى البغض ومن الشجاعة إلى الجبن ...
وإنما أبني على أن الروح:
هي ((وجدان الإنسان الداخلي وضميره المستتر)) ... وذلك لا يعني كشفاًلحقيقة الروح فهي أكبر من أن عرفها ونطلع على حقيقتها نحن البشر حيث قالتعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاقليلاً) الإسراء/ 85، وإنما سعيٌ لفهمها ومعرفة حركتها من خلال مظاهرهاوتجلياتها المستمرة.
فالروح في اصطلاحنا الذي نسير عليه هي الوجدانالداخلي للإنسان وهي محل الإيمان ومستودعه ... وهو ما يمكن أن نفهمه منقول الرسول (ص): ((إن لله تعالى في الأرض أواني ألا وهي القلوب، فأحبهاإلى الله أرقها، وأصغاها، وأصلبها)).
((القلب ملك وله جنود فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده)).
ثملا يغيب عنا أن ننبه إلى أن العقل تستخدم له مترادفات في الاصطلاح الدينيعامة ـ قرآن وسنة ـ إما بصيغ اسمية أو فعلية: كاللب، والفكر، والحلم،والنهي، والحجر ... كما أن الروح تستخدم لها مترادفات أخرى: كالقلب والنفسوالصدر والفؤاد وما أشبه.
وهذا التحديد لعله يتناسب مع ما ذهب إليه ابنسينا في الجملة ـ وإلا فقد نأخذ عليه في فصله العلمي بين العقل والنفس حيثإنه مخالف لما سنتبناه في هذا التأسيس ـ حيث قال: ((الشيء في الإنسان الذيتصدر عنه الأفعال يسمى نفساً ناطقة وله قوتان: إحداهما معدة نحو العمل،ووجهها إلى البدن وبها يميز بين ما ينبغي أن يفعل وبين ما لا ينبغي أنيفعل، ويحسن وينتج من الأمور الجزئية، ويقال له العقل العملي، ويستكمل فيالناس بالتجارب والعادات.
والثانية قوة معدة نحو النظر والعقل الخاص بالنفس، وجهها إلى فوق، وبها ينال الفيض الإلهي)).
إذاً هذا هو العقل، وتلك هي الروح ... فما هي طبيعة العلاقة بينهما؟
يمكن استيضاح ذلك من خلال التأمل في آيتين مركزتين، فهما عمدة الإجابة على هذا التساؤل ...
الآيةالأولى وردت في سورة الحج، حيث قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكونلهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمىالقلوب التي في الصدور) الحج/ 46، والآية الثانية في سورة الأعراف، فيقوله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهونبها ... ) الأعراف/ 179.
هاتان الآيتان هما المحور الأساسي الذي يمكنمن خلاله فهم العلاقة الدائرة بين العقل والروح ... وذلك في قوله تعالى فيالآية الأولى (قلوب يعقلون بها) ... وفي الثانية (قلوب لا يفقهون بها).
ينبغيفي البدء أن نلاحظ بأن القلوب هنا هي ذاتها القلوب المصطلحة، ولا يرادمنها العقول المصطلحة، وما ورد في بعض الروايات ـ على فرض صحتها ـ التيعرّفت القلوب في الآية بالعقول يمكن حمله على ما سنذهب إليه.
وإنماأقول بأن القلوب في الآيتين هي عينها القلوب المصطلحة، والتي ترادف الروحوالنفس، لما ورد في عجز الآية الأولى، في قوله تعالى: (ولكن تعمى القلوبالتي في الصدور).
فتأكيد الآية عن موطن القلب وهو الصدر يؤكد هذا المعنى، إذ إن العقل موطنه الرأس وليس الصدور.
فإذا كان المقصود في الآية ذلك، فكيف للقلوب أن تعقل أو تفقه، مع أن عملية التعقل والتفقه إنما هي من اختصاصات العقل وليس القلب؟
الآية تقول: (قلوب يعقلون بها) و (قلوب لا يفقهون بها) ... أي بالقلب تتم عملية التعقل والتفقه ...
وهناقد يتبادر إلى الذهن أن عملية التعقل أساساً محلها القلب وليس العقل ...ولكنه تبادر غير تام وذلك لكثرة الآيات التي تملأ القرآن المتحدثة عنالعقل إما بالصيغ الاسمية كـ ((لب ونهي))، أو بالصيغ الفعلية كـ ((عقلوفكر))، وكلها يأمر بالتعقل والتفكر.
فتكون النتيجة أن الآيتين تؤكدانعلى حقيقة أخرى وهي أن القلب يمكن أن يتداخل مع العقل في السعي نحو العلموالتعرف على الحقائق، بمعنى أن العقل يمكن أن يؤثر في القلب والقلب يؤثرفي العقل ليؤديا نتيجة واحدة وهو ذاته الأمر المطلوب في الآيتين.
فالآيتانكلتاهما تؤكدان على أن المطلوب الأسمى هو التزاوج بين العقل والقلب، فيعملية التفكير والسعي نحو الحقائق، لأنهما بذلك يمكن أن يقتربا من الصوابويحرزا الحقيقة، أما إذا انفصلا فإن النتيجة قد تكون معاكسة ...
وذلكيوصلنا إلى أن كل الدعوات القرآنية الحاثة على التعقل والتفكر، لها صلةوثيقة بهاتين الآيتين، من جهة أن كل عملية تعقل يقوم بها العقل ينبغيأيضاً عرضها على القلب ...
فكل الآيات التي ورد فيها ((يعقلون)) أو ((يتفكرون))وأمثال ذلك محكومة بهاتين الآيتين، أي أن هاتين الآيتين حاكمتان ـ بالمعنىالأصولي ـ على سائر الآيات الداعية للتعقل والتفكر، ولكن ليس بمعنى أنالتعقل محله القلب دائماً، وإنما التعقل أساساً محله العقل، إلا أن تعقلالعقل ينبغي أن يتصل مع القلب في مسيرة واحدة ولا يسير بمفرده، حرصاً علىالوصول إلى الصواب.
وهذا ما تؤكده الآيتان حيث تدعو الأولى للسير فيالأرض والتعقل، ولكن بحيث يتلاحم العقل مع القلب في عملية التعقلوتلاحمهما كما يظهر من الآية هو الكفيل بقيادتهما إلى الاستنتاجات السليمة... والثانية تبين أن العاقبة السيئة لكثير من الجن والإنسان كانت سبباًلعدم التلاحم بين العقل والقلب في عملية التفقه ... فتكون النتيجة بذلكضرورة التلاحم فإنه هو المنهج الصحيح في عملية التفكير والسعي نحو الحقائق.
وهذا التلاحم يؤدي إلى ما يصطلح عليه دينياً باسم ((البصيرة))،فالبصيرة هي ثمرة هذا التلاحم ... وذلك أن القلب إذا انفتح وسار مع العقلفي حركاته فإنه سيدرك الحقائق وتنكشف له الأمور، أما إذا طبع عليه فإنه لنيرى شيئاً ... يقول تعالى: (ومنهم مَن يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندكقالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهمواتبعوا أهواءهم) محمد/ 16.
فلأن الله سبحانه وتعالى طبع على قلوبهم فإنهم لم يدركوا شيئاً مما سمعوه لتوهم من الرسول (ص).
وهكذا كل انسان يُطبع على قلبه،كما أكدت على ذلك آيات قرآنية عدة، منها قوله تعالى: (ولقد ضربنا للناس فيهذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلامبطلون، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) الروم/ 58 ـ 59. ومنهاقوله سبحانه: (ثم بعثنا من بعده رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين) يونس/ 74.
وهناكآيات كثيرة غيرها تمتلئ بها صفحات القرآن الكريم، كلها تسير في هذاالاتجاه وتؤكد هذا المعنى المهم، أن عملية التفكير والتعقل لابد لها منارتباط مع القلب حتى تحقق البصيرة، وهذا هو مفاد عجز الآية الأولى السابقة(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وبالمناسبة فقد أجاد فضيلة الشيخ محمد علي الجوزو في تحليله لهذا المقطع حيث قال: ((إذاً هناك بصر وبصيرة، هناك رؤية عينية ورؤية قلبية،فقد يمر الإنسان ببصره على كثير من الآيات والدلائل على القدرة الإلهيةولا يحس بها ولا يدرك حقيقتها لأن بصيرته مظلمة، لأنق لبه أعمى، وقد تتكشفله الحقائق فيراها أمامه جلبّة واضحة كضوء الشمس يراها بقلبه، يراهاببصيرته التي في أعماق نفسه، فيدرك أبعادها، ويفهم دقائقها، فيعرف ماوراءها من حكمة.
إنها ((البصيرة)) إذاً، إنها القلب، ولكن القلب هناقلب مبصر، قلب مشرق ومضيء، قلب يعقل ويدرك، قلب تتكشف أمامه الحقائق كمايسلط النور على الأشياء فتتضح وسط الظلمة.
إنه عقل من ناحية، وإنهوجدان من ناحية ثانية، أو إنه تلك القوة التي تقف وراء العقل ولا نستطيعتحديدها تحديداً مادياً، والتي نسميها الإلهام أحياناً، ويعرفها الشعراءوالأدباء والملهمون والعباقرة، وكذلك يعرفها المؤمنون الذين رزقوا شفافيةالنفس ورِقّة الشعور.
إنها لدى ((المؤمنين)) تلك ((الرؤية الإيمانية))التي تضيء القلب بنور الإيمان فيرى الوجود بعين البصيرة لا بعين البصر،ويدرك الحقيقة إدراكاص من الداخل لا من الخارج أو الظاهر)).
وقد مالإلى هذا الاتجاه في تحليل هذه الآية الدكتور محمد الصادقي في تفسيره((الفرقان))، وإن كنتُ أتحفظ على تفريقه بين الصدر والقلب حيث لم يعتبرهماشيئاً واحداً وإنما جهازان مستقلان، والذي يظهر لي من الآيات القرآنية عدمالفارق بينهما ـ لا أقل في الاصطلاح القرآني ... فقد قال: ((رغم أن العقلهو الذي يعقل في البداية، فقد يعقل العقل والصدر ضيق لا ينشرح به ـ وجحدوابها واستيقنتها أنفسهم ـ فإنه استيقان العقول فقط.
أم يعقل الصدر وينشرح بما عقله العقل، والقلب بعد غير عاقل كما يحق، فهو عوان بين الكفر والإيمان، فقد يفسق وقد لا يفسق.
وأما إذا عقل القلب ما عقله الصدر عن معقول العقل، فهنالك الإيمان القمة المرموقة)).
هذاهو مؤدى التلاحم بين العقل والقلب أو ((الروح)) الذي يظهر من الآيةالمباركة، حيث ينتج عنه البصيرة أو الرؤية الإيمانية، وذلك المآل الصحيحللعمل والنتيجة الأعمق لحركة العقل، وهو تماماً ما أشار إليه الكسيس كاريلفي قوله: ((فالحقيقة المستمدة من العلم تختلف اختلافاً تاماً عن تلكالمستمدة من الإيمان: فالأخيرة أكثر عمقاً ولا يمكن التشكيك فيهابالمجادلات. إنها تشبه الحقيقة التي يعطيها البصر المغناطيسي، ولكن ممايدعو للغرابة أن هذه الحقيقة ليست غريبة على العمل. إذ من الواضح أنالاكتشافات الكبيرة ليست نتاج العقل فقط. فإن العباقرة يملكون إلى جانبقوتهم على الملاحظة والفهم ـ صفات أخرى مثل البصيرة والخيال المبتدع ـ فعنطريق البصيرة يتعلمون أشياء يجهلها الآخرون، ويدركون العلاقات بين الظواهرشبه المنفصلة، كما يحسون بطريقة لا شعورية بوجود الكنز غير المعروف، وجميععظماء الرجال وهبهم الله بصيرة، فهم يعرفون دون تحليل أو تفكير ما هيالأشياء الهامة التي يجب عليهم أن يعرفوها)).
إذاً فما تؤدي إليهالآيتان السابقان هو ضرورة التلاحم والتزاوج بين العقل والروح في مسيرةواحدة بحيث لا ينفصل أحدهما عن الآخر ... وللتأكيد على هذه الحقيقة لا بأسباستعراض عدة من الآيات القرآنية التي نطقت بهذا المعنى في مناسبات ومواقفمختلفة، ولكن بدون تحليل لأنها بأجمعها تندرج في سياق التحليل السابق ...من بين تلك الآيات قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهمأغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون)التوبة/ 93، (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثمانصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) التوبة/ 127، (وجعلنا علىقلوبهم أكنة أن يفقهوه ... ) الإسراء/ 47، (ومَن أظلم ممن ذكِّر بآيات ربهفأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفيآذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) الكهف/ 57،(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد/ 24، (ذلك بأنهم آمنوا ثمكفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) المنافقون/ 3.
فلو نلاحظ جميعهذه الآيات، نجد أنها تسير في نفس الخط الذي عبّرت عنه الآيتان السابقتان،إذ إن جميعها يؤكد على أن سبب الضلال والتيه الذي وقع فيه المعنيون في هذهالآيات يعود إلى انفصال القلب عن العقل وهو ((الطبع)) بعينه.
بهذا نفهمأن العلاقة القائمة بين العقل والروح هي علاقة التزاوج، والتي تعنيالتلاحم في مسيرة تأملية واحدة لإفراز نتيجة واحدة، ليس من الصواب انفكاكأحدهما عن الآخر.
هذا هو العمق الذي يؤكد عليه القرآن الكريم ... وإننانجد هذا العمق يتجلى تفصيلياً في مقدمات عديدة، بحيث لو قمنا بعمل عكسيوجمعنا تلك المقدمات مع بعضها لأعطت نفس النتيجة التي عبرت عنها الآياتالسابقة الملخصة في قوله تعالى: (قلوب يعقلون بها) ... وهذه المقدمات هيكالتالي:
1 ـ إن الخطاب الديني بمختلفأصنافه يؤكد لنا دائماً على أن العقل لابد له من نور روحاني حتى يهتديبالطريق ... فمجرد أن يكون لدى الإنسان عقل لا يكفي، ما لم يؤيد بالهداية،والهداية نتيجة الإيمان، كما قال تعالى: (ومَن يؤمن بالله يهد قلبه)التغابن/ 11.
فلابد من الإيمان كيما يسير العقل في طريقه الصحيح، وإلاضلَّ الطريق، كما هو شأن الكثير من الأمم والناس الذين ملكوا العقول ولمينالوا الهداية، فكانت عاقبتهم سيئة ... ولعله لهذا الأمر أشار إمامناجعفر الصادق (ع) في تحليله لعقلية معاوية في مرفوعة الكافي، الواردة عنمحمد بن إدريس عبدالجبار عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله (ص)، قال:قلنا له: ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان. قال: قلت:فالذي كان عند معاوية؟ فقال: تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقلوليست بالعقل)).
وفي هذا الاتجاه أيضاً سارت الآيات المتحدثة عن النورالإلهي في سورة النور ... فبعد أن أكدت الآيات على حقيقة النور الإلهيأنهت بالقول: (نور على نور يهدي الله لنوره مَن يشاء) النور/ 35.
ثمبينت بأن مَن لم يحظ بشيء من هذا النور لن يهتدي للحق، وهذا سبب تخبطالكافرين في التيه والظلام، وذلك في قوله تعالى بعد عدة آيات من تلكالآية: (والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءلم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب، أو كظلماتفي بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذاأخرج يده لم يكد يراها ومَن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) النور/39 ـ 40.
ويؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى: (أومَن كان ميتاً فأحييناهوجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ...) الأنعام/ 122.
2 ـ التأكيد المستمر فيالنصوص الشرعية على تأثير الهوس على العقل ... فقد تضافرت الروايات فيتأكيد هذا الأمر، ويكفينا منها روايتان لعدم الحاجة للتوسع في هذا الأمرالبيِّن لكل مَن له أنسٌ بالآيات القرآنية والروايات ...
جاء في كتابلأمير المؤمنين لشريح بن الحارث قاضيه لما بلغه أنه ابتاع داراً بثمانينديناراً، بعد التقريع والتوبيخ: ((شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسرالهوى، وسلم من علائق الدنيا)).
كما ورد في كلمة مفصلة للإمام الصادق (ع): ((والهوى عدو العقل)).
وهذا الأمران يختصان ((بحركة العقل))، وما سيأتي يختص بحركة الروح.
3 ـ إشعار النصوص بالعلاقة بين الروح والعلم، أي إن الروح ليست مجرد محطة للنوازع النفسية، وإنما هي أيضاً محطٌ للعلم والمعارف.
فبالإضافةلما مرّ ذكره في مثل هذه الآية من قوله تعالى: (إنما السبيل على الذينيستأذنوك وهم أغنياء، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهمفهم لا يعلمون) التوبة/ 93.
وهي توضح بأن سبب عدم علمهم ((طبع القلب))أي عماه، وذلك يعني بالمفهوم بأنهم لو فتحوا قلوبهم لعلموا .. وهكذا تكونللروح علاقة واضحة مع العلم.
بالإضافة إلى ذلك تأتي الروايات لتؤكد هذهالحقيقة بطرق شتى، منها مثلاً ما ورد في خبر يونس بن عمار، عن أبي عبداللهالصادق (ع)، قال: لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبداً، ولا يستيقن أنالباطل حق أبداً)).
وهي تبين أن الروح قابلة لأن تتدخل في اتخاذالمواقف العلمية، وليس أي مواقف وإنما مواقف تعبر عن صميم الحق، حيث إنالرواية تعرض الروح على أنها أشبه بالميزان العلمي الدقيق لاعتباره أنهاقادرة على التمييز بين الحق والباطل بدقة شديدة.
ومنها أيضاً ما ورد عنابن سعد، عن الأزدي، عن أبي عبدالله الصادق (ع)، قال: قال أمير المؤمنين(ع): ... إن قلوب المؤمنين لمطوية بالإيمان طياً، فإذا أراد الله إنارة مافيها فتحها بالوحي فزرع فيها الحكمة زارعها وحاصدها)).
فالروح يمكن أن تكون محلاً للحكمة إذا اتصلت بالوحي.
ومنهنا يمكن أن نحمل ما ورد في إرشادات الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم، منتعريف القلب بالعقل ... حين قال (ع): ((يا هشام إن الله تعالى يقول فيكتابه: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) ق/ 37، يعني: عقل، وقال: (ولقدآتينا لقمان الحكمة) لقمان/ 12، قال: الفهم والعقل)).
فالعقل الذييعنيه الإمام (ع) ـ بناءً على ما تم تأصيله ـ ليس خارجاً عن معنى القلبالمشار إليه في الآية، وإنما هو ذاته، لكن ليس القلب الجامد وإنما القلبالذي يعقل، تماماً كما مرّ في الحديث عن قوله تعالى: (لهم قلوب يعقلونبها) ـ كل ذلك بناءً على صحة الرواية وهي مرسلة يصعب الاعتماد عليها.
وبهذافإذا كان القلب هنا هو القلب الذي يعقل وبالتالي فإنه يمكن أن تشملهالذكرى (إن في ذلك لذكرى)، اتضح وجه العلاقة بين القلب (الروح) والعلم.
4 ـ تأكيد النصوص على أن الروح في حاجة إلى تعقيل، بمعنى تحريك القوة العقلية فيها.
فقد ورد عن رسول الله (ص): ((إن العقل عقال من الجهل، والنفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل حارت)).
كما ورد عن الإمام علي (ع): ((النفوس طلقة لكن أيدي العقول تمسك أعنّتها من النحوس)).
وورد عنه (ع) أيضاً: ((أفضل القلوب قلب حُشي بالفهم)).
إنهذه المقدمات الأربع إذا اتحدت مع بعضها، أورثت نفس النتيجة التي أكدتهاالآيات القرآنية السابقة وهي ضرورة التزاوج والتلاحم بين العقل والروح فيمسيرة واحدة.
ولعل هذا النوع من العلاقة بين العقل والروح هو السبب في حدوث الاختلاط عند بعض العلماء أثناء تعريفهم للمسميات الأربعة ((الروح والقلب والنفس والعقل))،كما أشار إلى ذلك المجلسي في البحار في قوله: ((وأكثر العلماء قد التبسعليهم اختلاف هذه الألفاظ وتواردها، فتراهم يتكلمون في الخواطر، ويقولونهذا خاطر العقل، وهذا خاطر الروح، وهذا خاطر النفس، وهذا خاطر القلب، وليسيدري الناظر اختلاف معاني هذه الأسماء)).
ويبدو لي أن ممن اختلط عليهالأمر أيضاً هو نفسه العلامة المجلسي وذلك حين قال: ((فإذا عرفت ذلك فاعلمأن النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني))، ثم استرسل فيتعريفها بتعريفات متقاربة جداً وكأنها شيء واحد ... والحق أن الروح والقلبوالنفس تعبر عن شيء واحد في الاصطلاح الديني وهو ما سبق أن عرفناه بوجدانالإنسان الداخلي ومستودع الإيمان، بينما يعبّر العقل عن شيء آخر مستقل وهوالجهاز المتكفل بعملية التفكير ... فالروح ((القلب والنفس)) شيء والعقلشيء آخر، إلا أن بين هاتين القوتين المستقلتين نوع اتحاد وتزاوج، وذلك فيأزمنة العمل، فمع أنهما مختلفان ذاتاً إلا أنهما يشتركان في مهمة علميةواحدة ليفرزوا نتيجة واحدة ... ولا يمكن لأحدهما الحركة والعمل بعيداً عنالآخر.
لكن لماذا لا يمكن لأحدهما العمل مستقلاً؟
يمكن استخلاصالإجابة من التأسيس الذي سبق، وحاصله أن العقل لابد له من صفاء روحي حتىيؤدي دوره بشكل صحيح، والروح أيضاً لابد لها من عقلنة حتى تستقيم فيحركتها ... وبهذا يتكامل العقل والروح في مسيرة الإحياء الاجتماعي، فلايمكن لنا في هذه المسيرة التركيز على منشطات العقل وتناسي الروح، كما لايمكن إيلاء الروح كل الاهتمام وتغافل العقل.
ولإيضاح ذلك يمكن لنا مراجعة أي تجربة تركز على أحدهما دون الآخر، فإننا لا محالة سنجد الاضطراب نتيجة طبيعية لذلك ...






مع أجمل وأرق ألأمنيات.
***العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة Icon_bounce مراااام ***العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة Icon_bounce


مراااام
Admin

المساهمات : 384
تاريخ التسجيل : 30/07/2009

https://al-sadaka-taarof.forumactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى